ذا أحرم العبد بالحج أو العمرة ودخل في النسك، فإن هناك أموراً تحرم عليه ما دام محرماً، وهذه هي الأمور هي التي يطلق عليها أهل العلم محظورات الإحرام ، وهي على ثلاثة أقسام : قسم يشترك فيه الرجل والمرأة ، وقسم محرم على الرجال فقط ، وقسم محرم على الإناث فقط.
فأما ما يشترك فيه الرجل والمرأة فهو :
1- إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } (البقرة 196) ، وألحق به جمهور أهل العلم شعر سائر البدن ، وعليه فيحرم على الحاج أن يتعمد أخذ شيءٍ من شعره حال إحرامه ، وتلزمه الفدية إن فعل ذلك ، وأما لو سقط الشعر بغير اختياره فلا حرج عليه ، ويجوز له إزالة شعره إن كان يتأذى ببقائه مع وجوب الفدية ، لقوله جل وعلا : {فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (سورة البقرة الآية 196) ، وتفصيل ذلك سيأتي في الكلام عن أحكام الفدية .
2- تقليم الأظافر قياساً على حلق الشعر قال ابن قدامة رحمه الله : ” أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره” ، ولا فرق في ذلك بين أظافر اليدين أو الرجلين ، لكن لو انكسر ظفره وتأذى به ، فلا حرج أن يقص القدر المؤذي منه ، ولا فدية عليه .
3- استعمال الطيب في الثوب أو البدن لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلّم- قال في المُحْرِم : ( لا يلبس ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفران ) ، وقال في الذي وقصته راحلته فمات وهو محرم 🙁 لا تُمِسوه طيباً ولا تخمروا رأسه ) رواه البخاري .
والمقصود به ابتداء استعمال الطيب بعد الإحرام ، وأما الطيب الذي تطيب به على بدنه قبل إحرامه وبقي أثره عليه فلا يضره بقاؤه لقول عائشة رضي الله عنها : (كنت أنظرُ إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – وهو مُحرم ) متفق عليه.
4- عقد النكاح لقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَح ولا يخطب ) رواه مسلم ، فلا يجوز للمُحرِم أن يتزوج ولا أن يعقدَ النكاح لغيره ، ولا أن يخطب حتى يحل من إحرامه .
5- المباشرة لشهوة بتقبيل أو لمس أو نحوه لقوله جل وعلا :{ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ( البقرة 197) ، ويدخل في الرفث مقدمات الجماع من ضم وتقبيل ولمس وما أشبه ذلك ، وعليه فلا يحل للمحرم أن يقبل زوجته أو يمسها لشهوة ، كما لا يحل لها أن تمكنه من ذلك حال إحرامها .
6- الجماع لقوله تعالى :{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (البقرة الآية 197) ، والرفث هو : الجماع ومقدماته ، وهو أعظم المحظورات وأشدها تأثيراً على الإحرام ، لأنه المحظور الوحيد الذي يفسد الحج به ، وأما ما يترتب عليه فهو مفصل في أحكام الفدية .
7- قتل صيد البر المأكول لقوله تعالى :{وُحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حُرُماً } (سورة المائدة الآية 96) . فلا يجوز للمحرم اصطياد شيء من حيوانات البر المأكولة كالغزال والأرنب ونحوهما ، ولا قتلُه ولا الإعانة على ذلك بدلالة أو إشارة أو مناولة أو نحو ذلك .
كما يحرم عليه أن يأكل من الصيد إذا صاده غير المحرم لأجله ، وأما إذا لم يصده لأجله فلا حرج عليه في الأكل منه .
وأما المحظورات التي يختص بها الرجال دون النساء فهي :
1- لبس المخيط ، لحديث لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم- سُئل : ما يلبس المُحرِم من الثياب ؟ قال : ( لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوباً مسه زعفران ولا ورس ) متفق عليه ، والمقصود بالمخيط : ما يلبس ويفصَّل على هيئة الأعضاء ، سواء كان شاملاً للجسم كله كالبرنس والقميص ، أو لجزء منه كالسراويل والخفاف والجوارب ، ولا يقصد به ما فيه خيط ، ويجوز للمحرم شد وسطه بحبل وحزام ونحوه ، كما أن له أن يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين.
2- تغطية الرأس بملاصق لقول النبي – صلى الله عليه وسلّم- في الذي وقصته راحلته بعرفة : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تُخَمِّروا رأسَه – أي لا تُغطوه- ) متفق عليه .
فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بما يلاصقه كالطاقية ، والغترة ، والعِمامة ونحو ذلك ،
أما إذا كان الغطاء غير ملاصق للرأس – كالشمسية مثلاً ، أو الاستظلال بشجرة ، أو خيمة أو سقف السيارة – فلا حرج فيه لقول أم الحصين رضي الله عنها : حججت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم- والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ” رواه مسلم .
كما لا يجوز للمحرم أن يغطي وجهه لقوله عليه الصلاة والسلام في الذي قتلته ناقته في الحج – كما في بعض الألفاظ- : ( ولا تغطوا وجهه )رواه مسلم وغيره .
أما المرأة فلها أن تغطي رأسها ، ولها أن تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة ، ولكنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين – وهما شراب اليدين- ، ولها أن تُغطي وجهها إذا مر الرجال قريباً منها ، فتسدل الخمار على وجهها .
وجميع المحظورات السابقة لا يجوز فعلها عمداً من غير عذر ، ومن ارتكب شيئاً منها عامداً من غير عذر فعليه الفدية مع الإثم ، وأما من احتاج لفعل شيء منها لعذر يبيحُ له ذلك ، فعليه ما يترتب على فعل المحظور من غير إثم ، ومن فعل شيئاً منها ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً فلا شيء عليه على الصحيح لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه ، لكن متى زال العذر فَعَلِم الجاهل ، وذكر الناسي ، واستيقظ النائم ، وزال الإكراه وجب عليه التخلي عن المحظور فوراً ، فإن استمر عليه مع زوال العذر كان آثماً ، وعليه ما يترتب على فعل المحظور من الفدية وغيرها ، كمن غطى رأسه وهو نائم فلا شيء عليه ما دام نائماً ، فإذا استيقظ لزمه أن يكشف رأسه فوراً ، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه كان آثماً ، وعليه ما يترتب على ذلك ، وسيأتي تفصيل أحكام الفدية في موضوع مستقل .
والله أعلم .